في الذكرى السنوية الأولى  لعدوان2014 . .لا جهة تعترف بهم ولا أحد يتعرف عليهم

“الجرحى حقوق ضائعة وملفات مهملة” نبض الجراح         7.indd

الجبهة الديمقراطية : ندعو إلى اعتماد جرحى 2014 ضمن مؤسسة أسر الشهداء والجرحى دون أي تفرقة أو تمييز

النحال : انتهينا من مرحلة التسجيل والآن بانتظار إقرار السنة المالية

دويمة: عدم الاعتراف بجرحى 2014  سببه الانقسام الفلسطيني

تحقيق – نور اسليم

اقترب تاريخ السابع من يوليو/تموز، ذلك التاريخ الذي جعله المحتل الإسرائيلي أسوداً على غزة، فاستباحت طائراته الحربية ومعداته العسكرية كل شيء يتحرك تحت سماء وعلى أرض القطاع الصغير بمساحته والعظيم ببطولاته وصموده، ذلك العدوان الذي استمر قرابة الواحد وخمسين يوماً على التوالي، مخلفاً وراءه آلاف الآهات والأوجاع التي لازالت مفتوحة حتى الآن.

ومن بين تلك الآلام التي لم تبرأ حتى اللحظة، أجساد أكلت الصواريخ والقذائف جزءاً منها، ليصبح بعضها من ذوي الإعاقات الدائمة، لكن لم تقتصر معاناتهم عند هذا لتصل إلى الحد الذي لا يعترف أحداً بهم ولا تتعرف أي جهة عليهم.

جرحى 2014 لم يتم حتى اللحظة اعتماد هم ضمن المؤسسة اسر رعاية الشهداء والجرحى، التي تعتبر المسئولة الأولى رسمياً عن هذه الشريحة وعن تلبية خدماتها المختلفة ومن أبرزها صرف اعتماد مالي لهم كي يعينهم على حياتهم بعدما أصبحوا من أهل الإعاقات الدائمة.

فما بين الفينة والأخرى تخرج مسيرة هنا واعتصام هناك يطالب هذه المؤسسة بأن تقف عند مسئولياتها تجاههم، ولكن لا يجدون سوى مسكنات الانتظار والتي بدأ مفعولها ينفذ، وفقاً لكلام الجرحى.

ولا حد بيدور علينا

الثلاثيني خالد عبد العال بدأ حواره مع “نبض الجريح” بكلمة لا أحد يعتني بالجريح الفلسطيني –ولا حد بيدور علينا-، مشيراً إلى أنه ذهب مراراً وتكرارًا لمؤسسة رعاية أسر الشهداء ولكن لا حياة لمن تنادي.

عبد العال وهو جريح من عدوان 2014 فقد يده اليسرى، وفقد معها عمله الذي يرعى به زوجته وأطفاله، وبكلمات تملؤها الحسرة والوجع قال:” الأمور صعبة للغاية ولا جهة تعترف بنا وترعى احتياجاتنا وما نفعله الآن فقط هو الانتظار لقرار الانضمام لهذه المؤسسة، عله يتحقق ومعه يصبح لنا مخصص مالي معين نستطيع به مواجهة ما تبقى من أعمارنا ونحن نحفظ ماء وجوهنا”.

وناشد عبد العال القادة والفصائل الفلسطينية بأخذ قضية الجرحى بعين الاعتبار، والعمل سوياً على استرداد حقوقهم المعدومة.

هذا الحال لم يختلف كثيراً عند الجريح محمد عصفور والذي أصابه صاروخ استطلاع بينما كان يسير على دراجته النارية وهو ذاهب لإحضار شيئاً لإطعام أطفاله، مما يتسبب بفقدان قدمه اليسرى ويحرق أجزاء متفرقة من جسمه.

عصفور أكد لنا بأن حياته بعد الإصابة أصبحت أشد صعوبة معللاً ذلك بأنه بحاجة لاستكمال علاجه وتركيب طرف صناعي، فضلاً عن الوضع في غزة الصعب على المواطنين العاديين فما بالك بالجرحى وخاصة التابعون لعدوان 2014 حيث لا جهة رسمية اعترفت بهم ولا قدمت لهم يد المساعدة والمساندة حسب وصفه.

لا مكان لرعايتنا

فايز الظاظا، من جرحى عدوان  2014 ، أصيب هو وابنته إصابة مباشرة بعد إطلاق صاروخ استطلاعي عليهم وهم يسيرون بالشارع، تسبب في بتر قدمه، كما فقدت ابنته التي لم يتجاوز عمرها الـ 10 سنوات يدها اليمنى.

الجريح لم يسمع عن مكان لرعاية الجرحى سواء وزارة أو مؤسسة ولا حتى جمعية خيرية، إلا وطرق بابها ولكن رد المعظم كان سلبياً خاصة عندما يعلمون أنه من جرحى 2014، مبررين ذلك بعدم تخصيص ميزانيات لهم مع عدم وصول الدعم لهم.

الظاظا الذي فقد بيته أيضاً تابع حديثه مع “نبض الجريح” قائلاً: “ جريح 2014 غير معترف به ولا في أي مكان سواء عند الجهات الرسمية و غيرها”، موضحاً أن هذا الواقع فرض عليهم مأساة فوق مأساتهم ومعاناة فوق معاناتهم و ألمهم ، وجعلهم يواجهون مصيرهم المجهول لوحدهم دون معين أو معيل لهم و لأسرهم و أطفالهم.

وأشار إلى أن جرحى 2014 لا يمتلكون البيوت، ولا الدواء ولا رواتب لهم تضمن لهم العيشة الكريمة بعدما فقدوا أجزاء من أجسادهم في سبيل أوطانهم و قضيتهم .

الظاظا وهو أب لثمانية أطفال وتاسعهم آت في الطريق، لم يتوقف عن مناشدة المسئولين والمؤسسات الرسمية وخاصة وزارة الصحة خلال حديثه أملاً منه في إيقاظ  حس الأمانة الملقاة على عاتقهم، داعياً إياها إلى الانتباه للجرحى والعمل على توفير حقوق لهم وعدم دفنهم أحياء، حسب وصفه.

أجساد بلا حركة

وعن عدم اعتماد المؤسسة لأسمائهم حتى اللحظة علق بالقول:” ذهبنا كثيراً لها لنسجل أسماءنا وفي كل مرة نجد الرد نفسه، أرسلنا الأسماء للضفة ولم يصدر قرار بها، ثم نعود لأسرنا بخفي حنين”، متسائلاً عن سبب هذا التأخر خاصة وأننا بتنا على أعتاب الذكرى السنوية الأولى للعدوان.

“حياتنا وقفت، نحن أجساد بلا حركة ولا حقوق لنا ولا أحد يتكفل بنا” بهذه التعابير بدأ الجريح محمود أبو حمد كلامه مع “ نبض الجريح”، مستدركاً قوله:” على الرغم من أننا نحن من ضحينا بأغلى ما نملك بأجسادنا في سبيل قضيتنا ووطننا”.

أبو حمد والذي بترت قدمه اليمنى بات يدرك تماماً أن معاملة مجتمعه له، لا تضاهي حجم تضحيته ومعاناته وألمه، فكل المؤسسات تغلق أبوابها في وجوهنا عندما تعرف أننا جرحى، ولا يوجد سوى جمعية أو اثنتين هي من ترحب بنا وتقدم لنا المساعدة ولكن لن تستطيع هاتين الجمعيتين استيعاب هذا الكم الهائل من جرحى 2014، خاصة وأن قطاع غزة لا زال يعاني من حصار وظروف اقتصادية صعبة، وفقاً لأبو حمد.

حقوق مستحيلة

أما مدير جمعية السلامة الخيرية لرعاية الجرحى د. محمد دويمة فأرجع مشكلة عدم الاعتراف بجرحى 2014 إلى سبب الانقسام الفلسطيني، مبيناً أن من آثاره ترك آلاف الجرحى بدون اعتماد مالي وهذا ما يفاقم وضعهم سوءاً، ويتسبب بمشاكل أسرية لا حد لها، ويزيد من الحمل على الجمعيات الخيرية التي تهتم بهذه الفئة.

وأكد على أن جرحى 2014 لا يتمتعون بأدنى الحقوق التي يتمتع بها باقي الجرحى كالتأمين الصحي و المخصصات المالية والعمليات الجراحية و غيرها التي تتوفر من مكتب الرئيس.

وأشار د. دويمة إلى أن هناك جرحى من 2008 و2012 لم يتم اعتمادهم وتسجيلهم حتى اللحظة ضمن مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، موضحاً بأن ذلك مع الحصار الخانق يجعل من توفير أبسط الحقوق لهؤلاء الجرحى أمراً مستحيلاً.

وبيّن د. دويمة أن أكثر من 4000 جريح من الجرحى الذين خلفهم عدوان2014 هم بحاجة إلى رعاية مستمرة و1000 آخرين باتوا من ذوي الإعاقات الدائمة والذين يحتاجون لرعاية يومية، موضحاً أن الحصار الاقتصادي والسياسي على قطاع غزة، جعل كل طبقات المجتمع الفلسطيني تعاني، ولكن فئة الجرحى معاناتهم مركبة ومعقدة بفعل احتياجاتهم المفقودة.

ودعا د. دويمة خلال حديثه إلى تحييد السياسة عن هذه القضية، وجعلها قضية إنسانية من الدرجة الأولى، مطالباً المؤسسات المعنية مثل مؤسسة رعاية أسر الشهداء و الجرحى التي لا تعترف بالمقاومين الجرحى بضرورة استيعابهم  واحتضانهم، لأن المقاومة ما هي إلا مشروع وطني، حسب تعبيره.

يذكر أن ما بين الفترة و الأخرى يخرج أهالي الجرحى و الشهداء للتنديد بعد اعتماد أسماءهم لدى المؤسسة، و للمطالبة بتخصيص موازانات مالية لهم كباقي الجرحى و عوائل الشهداء.

من جانبه دعا القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين محمود خلف، إلى اعتماد شهداء وجرحى عدوان 2014 ضمن مؤسسة أسر الشهداء والجرحى دون أي تفرقة أو تمييز، مطالبًا محمود عباس واللجنة التنفيذية لمنظمة “التحرير” باعتماد جرحى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف 2014 ضمن المؤسسة.

وأضاف عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية: “يكفي ما عاناه الجرحى وفقدانهم أغلي ما يملكون ويجب أنَّ لا نزيد عليهم معاناة جديدة”، مؤكدًا أنَّ ضرورة التحرك للضغط على أصحاب القرار لاعتمادهم.

قرار قيد الانتظار

من ناحيته أكد مسئول مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى محمد النحال ، أن المؤسسة انتهت من مرحلة تسجيل عائلات شهداء وجرحى 2014  وأرسلت الأسماء و التقارير إلى وزارة المالية في رام الله و هم الآن بانتظار إقرار السنة المالية ، موضحاً أنهم بحاجة إلى قرار لرفع الموازنة حتى يتم اعتمادهم مالياَ لكي يستفيدوا من خدمات المؤسسة أسوة بجميع الشهداء والجرحى الذين سبقوهم.

واتفق النحال مع د. دويمة في أن حالة الانقسام الفلسطيني يضرنا جميعاً على جميع الصعد، منوهاً إلى أن مؤسسته فتحت أبوابها عقب انتهاء العدوان في كل محافظات قطاع غزة الخمسة من أجل تسجيل عائلات الشهداء والجرحى.

وأشار إلى أنهم يتابعون هذا المر لحظة بلحظة من أجل إنهاء هذه المعاناة، معرباً في الوقت ذاته عن أمله في الانتهاء من الإجراءات في وزارة المالية لاعتمادهم مالياً، كاشفاً عن أن الفترة المقبلة سيتم اعتماد بعض الجرحى من فئة الأطفال .

يذكر أن مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، تأسست مع انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965م، لترعى أسر شهداء وجرحى القضية الفلسطينية بشتى انتماءاتهم، غايتها تحقيق الرفاهية والرعاية الاجتماعية لأسر الشهداء والجرحى وفاء لتضحياتهم وتكريما لهم، نابع من رؤيتها تحقيق الرفاه الاجتماعي المتكامل لجميع اسر شهداء وجرحى القضية الفلسطينية.

وبهذا تبقى حكاية الجرحى الفلسطينيين وجرهم النازف، قصة إنسانية عميقة تهز الإنسان في شتى أماكن تواجده ولها وجوه عديدة، تتحدث عن الصدمة والألم من ناحية، وعن البطولة والمعاناة والتشبث بالثوابت من ناحية أخرى.

وبلغ عدد الجرحى طوال فترة الحرب والتي امتدت  50يوما من8/7/2014 إلى 26/8 ,  10,870 جريحاً، تراوحت إصاباتهم بين متوسطة وطفيفة وخطيرة، منهم 3303 طفلاً، 2101 امرأة. وتشير الإحصاءات الأولية إلى أن 1000 طفل على الأقل سيعانون من إعاقة دائمة.

أما بالنسبة لعدد الهجمات التي نفذها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة أثناء الحرب والتي تسببت بمثل هذا العدد من الجرحى ، فبلغ 8,210 هجوماً صاروخياً، و15,736 هجوماً بالقذائف البحرية، و36,718 هجوماً بالقذائف المدفعية.

شاهد المزيد من الأخبار والأنشطة