في ظل غياب قانون يكفل حقوقهم .. من يضمن حياة كريمة لهم؟

الجرحى.. قضية مُهمَلة وحقوق في طيّ النسيان

في ظل غياب قانون يكفل حقوقهم .. من يضمن حياة كريمة لهم؟

“قدرهم الذي لا مفر منه جعلهم رهائن الإصابة الملازمة لهم منذ لحظة الحادثة حتى آخر أنفاسهم في الحياة الأولى”، معادلات كثيرة بل عقوبات قاسية فرضتها آلة الحرب الإسرائيلية على شريحة واسعة من الفلسطينيين “رجالاً- نساء- أطفالاً وشيوخاً”، باتت أجسادهم رهائن لجراح مختلفة في درجة عمقها وخطورتها، خلّفتها أسلحة الحقد الإسرائيلية على مدار حروب ثلاث وانتفاضتين.

وفي حقيقة الأمر طويلة تلك القائمة التي دونت فيها المراكز الصحية والجمعيات الخيرية أسماء الجرحى في سجلاتٍ خاصة بحاجةٍ إلى جهود مضاعفة من جميع الجهات الحكومية والخاصة.

صور تقرير

 

الحلبي:

الجزء الأكبر من خدمات الرعاية الطبية للجرحى تقدمها قطاعات غير حكومية

الطرشاوي:

الجريح يقع تحت الصدمة النفسية التي تؤثر سلباً على حياته المستقبلية

أبو الكاس:

“الأيدي الرحيمة” تعتزم إنشاء مستشفيان تخصصيان للجرحى

دويمة:

عدم وجود وزارة للجرحى جعلهم مشتتين بين الصحة والشؤون الاجتماعية

الشوبكي:

قضية الجرحى بحاجة إلى قانون يكفل حمايتهم ويُحاكم الاحتلال على جرائمه

 

جمعية الأيدي الرحيمة – غزة :

ومع اشتداد الأزمات الإنسانية وانحدار الوضع السياسي والاقتصادي في قطاع غزة يبقى لهذه الفئة شبه المهمشة مساحة في الذاكرة، ويتردد السؤال الذي يحتاج إلى نظرة فاحصة وإجابة عاجلة، من المسؤول عن ضمان حياة كريمة لآلاف الجرحى في ظل غياب قانون يكفل حقوقهم؟ وكيف يمكن تحسين واقعهم في المجالات كافة؟

ونتيجة الحصار المُحكم الذي تجاوز الثمانية أعوام، وتراكم الأزمات بما فيها قلة الرواتب والوضع الاقتصادي المتدهور الذي تعيشه محافظات القطاع فإن احتياجات الجرحى بالكاد تتوافر، كثير منهم يعانون من نقص حاد في بعض الأدوية الطبية ولا يملكون أجراً لإجراء جلسات علاج طبيعية تحسّن من وضعهم الصحي، إضافة إلى حاجة بعضهم الملحة للسفر إلى الخارج لإجراء عمليات جراحية، وتركيب أطراف صناعية تعينهم على الحركة والتنقل.

الأيدي الرحيمة

مدير جمعية الأيدي الرحيمة محمد أبو الكاس أوضح أن جمعيته تهتم بشريحة الجرحى، وتعمل على التخفيف من معاناتهم عن طريق تنفيذ برامج نوعية لهم في شتى مناحي الحياة، مضيفاً :” تقدم الجمعية ثلاث برامج للجرحى الأول يهتم بالرعاية الصحية للجريح منذ لحظة إصابته، ويتم تأمين له كل ما يلزم من رعاية وعلاج وتركيب الأطراف الصناعية، والعيون الاصطناعية، والسماعات الطبية ومساعدته في العلاج بالخارج، والثاني الرعاية الاجتماعية من خلال دمج الجرحى في المجتمع”.

وتابع:” البرنامج الثالث يهتم بالجانب التربوي للجرحى وأسرهم، لما لهذا الجانب من تأثير على نفسيتهم، وتحصيلهم العلمي والثقافي والمهني”.

هذا ويتبع الجمعية مرافق عديدة خاصة بالجرحى أهمها مركز الرضوان الطبي الذي يشتمل على عيادات متنوعة “عيادة الأسنان – عيادة النساء وولادة – عيادة الأطفال والطب العام- عيادة الأطفال- عيادة جراحة أعصاب – عيادة العظام، وغيرها”، إضافة إلى قسم الدعم النفسي، وحديثاً قسم العيون الاصطناعية الذي يعتبر الأول في قطاع غزة في تصنيع وتركيب العيون الاصطناعية لمن فقدوا عيونهم، وقسم المتابعات التمريضية، ومن المرافق النوعية التي تتبع للجمعية أيضاً منتدى مسك الجراح الذي يستقبل الجرحى وأسرهم ويقدم لهم خدمات ترفيهية واجتماعية وثقافية.

وفيما يتعلق بأعداد الجرحى المستفيدين من جمعية الأيدي الرحيمة فقد وصلت عقب العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة إلى 3940 جريحاً، موزعين على محافظات قطاع غزة، فيما تتراوح أعمارهم ما بين “19- 64” عام، من فئة الذكور.

ومن أهم الجهات التي تقوم بمهمة رعاية الجرحى وأسرهم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومؤسسة الجريح  الفلسطيني، والجمعية الفلسطينية لتأهيل الجريح الفلسطيني، وجمعية السلامة الخيرية وجمعية الأيدي الرحيمة وغيرهم.

من ناحيته أكد مدير وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل في وزارة الصحة د.أيمن الحلبي على دور وزارة الصحة في إجراء عمليات مسح أولي لأسماء الجرحى، وتزويد الجمعيات التي تقدم الرعاية للجرحى بقاعدة بيانات حولهم، لأن الجزء الأكبر من خدمات التأهيل والرعاية الطبية تقدمها قطاعات غير حكومية على حد قوله.dfdf

ونوّه الحلبي إلى أن وزارته تقدم خدمات عديدة بالتنسيق مع غالبية المؤسسات الوطنية التي تعمل في مجال التأهيل، سواء برامج تأهيل منزلية حيث يتم تزويد المؤسسات بقاعدة بيانات؛ ليتمكنوا من الوصول إلى الجرحى، وفي حال أن المؤسسة تعاني عجز في عملية توفير المستلزمات الطبية للجرحى، تقوم الوزارة بدعمها.

الرعاية النفسية

وأشار الحلبي إلى وجود جزء من الجرحى يحتاجوا إلى رعاية خاصة داخل المستشفى، حيت يتم تزويدهم بالخدمات العلاجية وما يلزمهم من رعاية طبية، حيث يعد مستشفى الوفاء الطبي، ومستشفى الأمل أحد أهم المستشفيات التي ترعى هذا النوع من الجرحى الذين تعرضوا لإعاقة.

وأضاف:” وزارة الصحة لديها مستشفيات ومراكز رعاية تقدم خدمات علاج طبيعي للعديد من الجرحى من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين هم بأمس الحاجة إلى جلسات علاجية، ومن أشهر تلك المراكز مركز الأطراف الصناعية والشلل والعلاج الطبيعي، الذي يشرف عليه خبراء دوليين وأخصائيين”.

وشدد الحلبي على ضرورة توفير الرعاية النفسية الكاملة للجرحى، وإعادة تأهيلهم من الناحية النفسية، ودمجهم في المجتمع من جديد، فهم ليسوا مجرد جسد، فالآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تخلّفها الإصابة تحتاج أيضاً إلى علاج ورعاية واهتمام كبير.

وحسب إحصائية مركز المعلومات الصحية الفلسطيني التابع لوزارة الصحة الفلسطينية فقد بلغ عدد الجرحى الفلسطينيين منذ عام 2000 حتى 2012 حوالي “62,433”، يضاف إليهم  11,600 جريح أصيبوا خلال العدوان 2014، أي ما يزيد عن “74” ألف جريح فلسطيني خلال “14” عام، وحسب الإحصائية فإن نسبة الجرحى من الذكور بلغت 88.9%.

غياب القانون

ومن الناحية القانونية فإن ملف الجرحى لم يلق اهتماماً من قبل القانون الفلسطيني، حيث أكد  محمد الشوبكي مدير الاستشارات القانونية في مجلس الوزراء إلى أن التشريعات الفلسطينية لم تكن شافية ولا كافية في التعرض لحقوق الجرحى ورعايتهم ومنحهم الحقوق والامتيازات.

وحسب مذكرة قانونية أعدها الشوبكي عن وضعية الجرحى في القانون الفلسطيني كشف فيها عن قصور التشريعات الفلسطينية المحلية تجاه حماية الجرحى وصون حقوقهم، مبيناً أن القانون الأساسي نص على ضرورة رعاية الجرحى على أن ينظم ذلك بقانون ولم يصدر قانون للجرحى حتى الآن.

وأشار الشوبكي خلال مذكرته أن فلسطين منطقة حروب مستمرة نظراً لوقوعها تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، فينتج عن تلك الحروب آلاف الجرحى؛ مشدداً على ضرورة وجود تشريعات قانونية تكفل حمايتهم وتضمن لهم الحقوق والامتيازات، وتضمن لهم سبل مقاضاة المحتل الصهيوني عن جرائمه الدولية.

وأوصى الشوبكي خلال مذكرته بضرورة العمل على سن قانون خاص بالجرحى الفلسطينيين يضمن حقوقهم القانونية والاجتماعية والمعيشية والصحية، إضافة إلى تأهيل المرافق العامة بما يتناسب مع ذوي الإصابات وضرورة إيجاد آليات للتنسيق بين المؤسسات القانونية والجرحى فيما يخص قضاياهم القانونية ونقل قضيتهم للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية.

وفي السياق ذاته يرى مدير جمعية السلامة الخيرية د.محمد دويمة أن رعاية الجرحى مسؤولية تقع بدرجة أساسية على الحكومة الفلسطينية، مبيناً أن منظمة التحرير الفلسطينية عزلت قضية الجرحى  إلى ملف “ الشهداء و الجرحى” وغُيّب دور الحكومة؛ لأجل ذلك ظهرت المؤسسات  الاهلية التي تهتم بالجرحى.

وأردف حديثه قائلاً:” تكمن المشكلة في عدم وجود قوانين خاصة بالجرحى أو وزارة معنية بالجرحى؛ والجريح مشتت بين وزارتي الصحة  والشؤون  الاجتماعية ويعامل كالمعاق بحسب نسبة الإعاقة”.

عقبات ومشاكل

وفيما يتعلق بأبرز المشاكل التي تواجه الجرحى أفصح الحلبي عن النقص الحاد الذي يعانيه القطاع في احتياجات الجرحى من الأجهزة والأدوات المساعدة نتيجة الحصار، لافتاً إلى أن الجرحى بحاجة إلى تهيئة بيئية ومنزلية، فعملية التأهيل لا تقتصر على توفير كرسي متحرك فحسب، وإنما تشمل التأهيل النفسي والبيئي، ودمج الجريح في المجتمع، وأن هذه العملية تحتاج إلى فترة طويلة.

من ناحيتها ترى مدير عام الرعاية الاجتماعية والتأهيل‏ لدى ‏وزارة الشؤون الاجتماعية‏ اعتماد الطرشاوي أن هناك عدة معيقات تقف أمامهم في خدمة الجرحى، أهمها مشاكل الدعم والتمويل غير المنظم من قبل الجهات المانحة، إلى جانب نظرة المجتمع المحلي لهذه الفئة، والأكثر خطورة نظرة الجريح إلى نفسه، حيث يقع تحت تأثيرات الصدمة النفسية ويكون اتجاهات سلبية عن نفسه ومهنته وحياته المستقبلية”.

في ذات المضمون أشار أبو الكاس إلى جملة من المشاكل الناتجة عن الحصار والحروب الثلاث على واقع الجرحى، تبدأ هذه المشاكل من لحظة إصابة الجريح حيث يتأخر الإسعاف عليه في بعض الأحيان ما يُضاعف من إصابته، حاجة كثير من الجرحى إلى عمليات جراحية لا يمكن إجراؤها داخل القطاع بسبب قلة الإمكانات والقدرات، ما أدى إلى وجود “قوائم انتظار طويلة” من الجرحى الذين هم بحاجة ماسة للسفر للعلاج، إلا أن الحصار وإغلاق المعابر حال دون ذلك، إضافة إلى عدم توافر أنواع عديدة من الأدوية والمستلزمات الطبية وأن هناك “قوائم صفرية” من الأدوية.

وأضاف :” يؤثر الحصار والفقر والبطالة على شريحة الجرحى بشكل سلبي ومُضاعف، إلى جانب أن فرصتهم في العمل أضحت “ضئيلة”، حيث لا تلائم الجريح كل الوظائف والمهن”.

فيما اعتبر دويمة أن من أبرز المشاكل التي تواجه الجرحى هي غياب الخدمات الصحية و الاجتماعية عنهم خاصة في الشح الكبير من الأدوية و المستلزمات الطبية، وأن المشكلة الاكبر “غياب دور وزارة الصحة” لاسيما في ظل حكومة الوفاق، ما أثر سلباً على واقع الجرحى في القطاع.

مَنْ المسؤول؟

وفي معرض ردّه على سؤال على من تقع مسؤولية رعاية الجرحى وتوفير الخدمات التي يحتاجونها؟ أكد أبو الكاس على أن رعاية الجرحى مسؤولية مشتركة تقع بصورة أساسية على المؤسسات الحكومية، إلى جانب تكاتف المؤسسات الأهلية في هذا الجانب، مشدداً على دور وسائل الإعلام المختلفة في تفعيل قضية الجرحى وتسليط الضوء على معاناة وآلام الجريح، ودوره في تغيير ثقافة المجتمع تجاه الجريح.

وتابع:” في الواقع جرحى قطاع غزة لا يتمتعون برعاية كافية من الحكومة بل يعانون من نقص الخدمات التي من المفترض أن تسعى الحكومة إلى توفيرها، فيما تتولى الجمعيات الخيرية الجزء الأكبر من رعاية الجرحى”، مبيناً أن  المؤسسات الأهلية تبقى عاجزة ما لم يتوفر التمويل الذي يلبي احتياجات الجرحى، فيما يبقى دور الحكومة دون المستوى المطلوب في دعم هذه الشريحة المُغيّبة”.

وشدد أبو الكاس على ضرورة أن تحتل قضية الجرحى أولوية كبيرة، كونها قضية وطنية وإنسانية تستلزم تبني ورعاية كاملة، لا سيما أن كل المواثيق والقوانين تنص على ضرورة معاملة الجرحى معاملة إنسانية.

الحكم على الإعاقة

وفيما يتعلق بجرحى العدوان الإسرائيلي الأخير أوضحت الطرشاوي أنه لا يمكن في هذا الوقت تحديد نسبة الذين تعرضوا إلى إعاقة دائمة بدقة، لأن درجة الحكم على الإعاقة يحتاج إلى فترة لا تقل عن6  شهور، وأن بعض الحالات ممكن أن تشفى بعد انتهاء العلاج الطبي مباشرة.

وفي الإطار ذاته أكد الحلبي أن الحكم على درجة الإعاقة تحتاج إلى استكمال فترة العلاج والتأهيل، لمعرفة ما إذا كانت الإصابة تؤدي إلى إعاقة أم لا، لذلك هناك جزء كبير من الجرحى يحتاجوا إلى تلقي خدمات التأهيل لفترة طويلة، جزء منهم يتعافى، وآخرين قد لا يتعافوا، وتحدث إعاقة، فمن الضروري إنهاء فترة التأهيل للحكم على الإصابة تسبب إعاقة أم لا.

وحول طبيعة الخدمات التي تقدمها وزارة الشئون الاجتماعية للجرحى، بينت الطرشاوي أن هناك خدمات مباشرة كتقديم الأدوية والمستلزمات الطبية، وأدوات مساعدة للجرحى “كراسي كهربائية، عكاكيز، فرشات طبية وغيرها”، إضافة إلى إعفاء جمركي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.

طموح

وفيما يتعلق بأبرز احتياجات الجرحى والرعاية الواجب توفيرها لهم على أكمل وجه أوضح دويمة أن الرعاية التي تطمح جمعية السلامة الخيرية بتقديمها  لشريحة الجرحى هي التأهيل المتكامل و الشامل للجرحى في جميع جوانب التأهيل “الصحي، المهني، النفسي، الاجتماعي” على مستوى عالٍ من الجودة الشاملة.

فيما يرى أبو الكاس أن الرعاية التي تطمح الجمعية توفيرها للجرحى تبدأ بضرورة تبني الجريح وتلبية احتياجاته في كافة مجالات حياته، إضافة إلى سعي الجمعية توفير مراكز صحية متخصصة في كافة المجالات تخدم الجرحى، منوهاً إلى عزمهم في القريب العاجل إنشاء مستشفيان تخصصيان، الأول يخدم المحافظات الشمالية ومقره في مدينة غزة، والثاني في محافظة رفح يخدم المحافظات الجنوبية.

وأضاف أبو الكاس:” تسعى جمعية الأيدي الرحيمة إلى انشاء مراكز صحية تخصصية شاملة في كل محافظة من محافظات قطاع غزة؛ كونها مسارح للعدوان الاسرائيلي المتكرر”، مؤكداً على ضرورة أن تكون قضية الجرحى على سلم أولويات المجتمع ومؤسساته اعلامياً وصحياً وتربوياً واجتماعياً، من خلال منابر تتحدث بمعاناتهم وتستوعب ابداعاتهم وتطور قدراتهم وأن صحيفة نبض الجريح التابعة للجمعية تعد أولى الخطوات في هذا الإطار.

ويطمح أبو الكاس إلى أن يتم تعزيز الوعي المجتمعي بمكانة الجريح وتضحياته، ويتم رفع صوت الجرحى للتعبير عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم لتمكينها ضمن قوانين ولوائح معترف بها في كافة الصعد والمحافل.

 

 

شاهد المزيد من الأخبار والأنشطة